عندما كانت قراكم أفضل من عواصمنا
- الدكتور أحمد بن حسن الشيخ كاتب و رجل أعمال
- Sep 1, 2020
- 5 min read

بقلم الدكتور أحمد بن حسن الشيخ-
في الفترة الأخيرة قرأت وشاهدت وسمعت إستخدام كثير من الألفاظ النابية والسليطة والسوقية صادرة من البعض دول الخليج وأهلها، وللأسف كانت صادرة من أخوة لنا (أو كذلك كنا نعتقد) وأعتقد المُراد بها إشعال الفتنة، والردود كانت من أهل دول الخليج كانت بكلمات أشد عليهم.
ما أكتبه ليس دفاعاً عن أهل الخليج أو توسماً بتغير معتقدات هؤلاء البعض، فالبعض منهم سيزداد عداوةً، بل أكتب لأبين بعض ما غاب عن عقول السذج والمغيبين منهم.
لنرجع إلى التاريخ ونقرأ بعضه، فمعظم أو كل الشعوب العربية قرأت عن بغداد ودمشق وفلسطين ومصر، وكيف كانت الحياة في هذه الدول وما فيها من رغ للعيش ورفاهيته منذ أمد بعيد، ولنعود إلى ماضي تلك الأيام والذي ليس ببعيد، إلى أواخر القرن التاسع عشر اي أواخر 1800.
تخيل وتصور معي كيف كانت تعج بلاد الشام بالنشاط التجاري الذي لم يكن له مثيل في المحيط العربي، مما أدى بأهلها أن يكونوا في نعيم ورفاهية من العيش الكريم، وحُق لهم ذلك فهو بتعبهم وإغداق رزق من الكريم.
كان اقتصاد تلك المدن ودولها من أهم وأقوى إقتصادات المنطقة، وكانت في خير ونعمة من الله، وكانت دمشق من أهم المحطات التجارية في المنطقة منذ أمد طويل وقبل الأعوام 1800 لما لها من إرث تاريخي، كما ولها وباقي المدن والدول شأن كبير وعالي في الزراعة والتجارة والتصنيع، ثم بدأ يتعالى شأن فلسطين وكان فيها خيراً يزداد يوماً بعد يوم حتى وصل الجنية الفلسطينيي ليكون من أقوى العملات المستخدمة في وقته، إلى أن تهالكت عليهم الأمم وسُلبت فلسطين العربية المسلمة.
وفي ذات تلك الأوقات كان على الطرف الأخر بلد ينعم بخيرات الله وهي مصر وكان شعبها في نعيم مماثل للشام وفلسطين، حتى باتت مصر تُقرض الدول الغربية، وكان الأوروبيون من إيطاليا وإسبانيا واليونان يأتون تهريباً إلى الإسكندرية للبحث عن وظائف وهذا يدل على رفعة مستواها الاقتصادي في ذلك الوقت.
أما بلاد الرافدين، فكانت تنعُم بخيرات مماثلة ووفرة العمل فيها حيث كان أفراد بعض دول الخليج يذهبون هناك للبحث عن أرزاقهم، ممن كانوا بين تجار بسطاء أو أصحاب مهن بسيطة يعملون هناك لفترات مختلفة بحثاً عن ما يسدون به رمق أفواه أبنائهم، وكادت في عاصمة الرشيد أن تنعدم الأمية من كثرة المدارس وانتشار العلم، كما اخُتيرت القاهرة وبغداد في تلك الفترة من أفضل وأجمل عواصم العالم، هل تخيلت كل ذلك معي.
بينما كانت على شواطئ الخليج العربي تقبع مجموعة من المشيخات المتناثرة تُسمى ساحل عُمان ومن ثم الإمارات المتصالحة، وبعدها أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة.
في نفس الفترة الزمنية التي كانت القاهرة تقرض العالم وإختيار بغداد من أفضل المدن في العالم وفلسطين ودمشق تنعم برفاهية الحياة، كانت تلك الإمارات تعيش حالة من ضيق اليد والحال وصعوبة حالها من صعوبة رمال الصحراء وتحملها من تحمل الإبل لمتاعب تلك الأوقات، ولم تكن هناك رغبة للناس بالقدوم لها أو حتى معرفة ما يدور بتلك القُرى، لأنها بكل بساطة أرض قاحلة ليس فيها من أسس الحياة الحضرية أو الإقتصادية أو المجتمعية أو رفاهية الحياة شيء يُذكر، مقارنة بتلك المدن والدول المذكورة.
إلى وقت قريب، إلى خمسينيات القرن الماض، كانت تنخر في المجتمع الإماراتي كافة أنواع التحديات، منها الأمراض التي كانت تعصف بنا على هذا الساحل والتي كانت تحصد الأرواح بشكل يومي حيث كان من كل ثلاثة مواليد يموت منهم مولود (أي الثلث)، وبين كل إمرأتين تلدان تقضي واحدة (أي النصف). فثلث المواليد ونصف الأمهات كانوا لا ينجون من أولى مراحل الحياة، بالإضافة إلى كافة أنواع الأمراض التي لم يكن يعرفها أهالي المنطقة والتي كانت تأتي إليهم من خلال السفن التي تتوقف على شواطئ بلدنا لتأتي بالبضائع. ولم تكن الحالة الإقتصادية بأفضل من الحالة الصحية، فكانت الناس على حافة الجوع كما كانت الأمراض، وكان التعليم بدائي يعتمد على مدرسي تحفيظ القرآن وبعض المدارس الحديثة التي لم تكن تستوعب كامل طلاب المنطقة.
في تلك الحقبة الزمنية وإلى منتصف الخمسينات لم تهتم كل الدول المذكورة بهذا الساحل وسكانه وذلك لسبب بسيط، أنه كان فقيراً ولا توجد فيه بنية تحتية ولا يُرتجى منه عائد، وكانت السمة العامة له بين فقر وجوع ومرض وامية تعليمية.
رغم كل ما مر فيه أبائنا وأجدادنا ومررنا فيه نحن، لم نحمل أية دولة أخرى ذلك الخذلان لسبب بسيط أننا نعذرهم لأننا لانعرف ظروفهم، ولا نرى وجوب وقوفهم معنا إن لم يفعلوا.
ثم بدأت تتوافد علي بلداننا الوفود، وتم الترحيب بهم، وكانت أسباب مجيئهم مختلفة، منها التدريس أو التمريض أو إدارة الشركات وإقامة الشركات، وكل هذه الأسباب كانت تركز على منفعة متبادلة، ولم تكن يومنا مُنحاً جاءت لنا، بل مقايضة بين جهد قدموه مقابل عائد مادي، ورغم ذلك كنا نثمن قدومهم ونعتز بوجودهم بيننا وفتحنا لهم منازلنا على ضعف ذات اليد وقلة ما فيها، وحتى يومنا لازلنا على نفس ذات الطبع.
من الله علينا بقيادة فطنة ذكية ركزت على الإستثمار في البشر، ومن ثم استمرت في كافة المجالات إلى أن وصلنا إلى ما صلنا له بفضل ومنة من المولى وعزيمة وإصرار من نفوس أبناء البلد وقادتها، واليوم أصبحت الإمارات مضرب مثل لكل الوطن العربي بل تعدت ذلك للحفر إسمها في السجل الدولي.
اليوم يتطاول علي دول الخليج عموماً ودولة الإمارات خصوصاً الكثير من الأفراد بعد الإتفاق الثلاثي، فليرجع هؤلاء إلى أرقام المقيمين منهم في هذه البلدان، ويسأل عنهم وهل مسهم أذى رغم كل ما كان يُقال عن الإمارات في السنوات الأخيرة وحتى هذه اللحظة، وهذا لا أوردة تفضلاً (بل نعتبرهم أخوة لنا)، بل أورده من باب العلم بالشيء لا أكثر.
وهناك من يقول بوجوب المساعدة وأحقيتها لهم (دون وجه حق)، وهناك من يقول بأن الخير الموجود في أرضي الخليج هو خير لهم (وهذا أمر لا نتفق عليه)، فلو صح ذلك لكان لنا أحقية في الخير الذي كان هناك بيدهم في سالف الوقت، ولو صح ذلك لطالب كل سكان الأرض بالخير في الدول الأخرى التي بها خيرات، وهذا أمر لا يقبله العقل والمنطق. منهم من يقول أن هذا لبيت مال المسلمين، وردي عليه وأين بيت مال المسلمين عندما كنا في حاجة له؟ بل أين المبالغ التي يتم تحصيلها في الوقت الحالي كهبات ومساعدات للمؤسسات الرسمية لهذه الدول أو المنظمات؟ لماذا تختفي دون أن تظهر للعيان وللشعوب المستحقة؟
البعض يدعي أن ذلك مقابل الحماية التي يقدمونها لدول الخليج، وسؤالي لهؤلاء، ما هي نوعية تلك الحماية، هل المقصود بها التهديد بعدم زعزعة الأمن في بلادنا من خلال عمليات ممكن تنفيذها؟
رغم ما كتبته فكل ما تقدمه دول الخليج والإمارات، هو من باب وقوف الأخ مع أخيه، والحقيقة أنه لا وجوب في ذلك، وهذه "حقيقة" سيختلف معي الكثير عليها.
ما يؤلمني هو أننا أصبحنا نوجّه أصابع الإتهامات ضد بعضنا البعض بسبب وبدون سبب، وهناك من يتطاول على رموز هذه الأمة مثل الشيخ زايد طيب الله ثراه، مؤلم ما وصلت إليه الأمة، وكلة بسبب توجه البعض للحزبية والطائفية أو حتى الأهواء والمصالح الشخصية.
علينا كأفراد أن نفرق بين دولة ومجتمع، كل الدول دون إستثناء لها حق سيادتها في إقرار ما تراه مناسب لها ولشعبها دون المساس او التدخل في شوؤن الدول الأخرى، كما أن هناك أفراد المجتمع الذي يجب أن نفرق بينهم وبين سياسات الدول، خاصة وأننا ننتمي لنفس اللغة والدين.
الإتفاق الثلاثي حّول كثير من أفراد المجتمعات المختلفة إلى تقاذف السب والشتم واللعنات وكلمات السوء بأشكالها المختلفة، وهذا ليس من الدين والعرف والمرجلة في شيء، أغلبنا ينتمي إلى البادية العربية والتي تزخر بأروع القصص عن الإخاء والإيثار وتفضيل الأخر على النفس.
الإمارات لم تتاجر بأي قضية عربية، بخلاف ما قامت به الإمارات من محاولة للحصول على مكتسبات عربية من خلال هذا الإتفاق، فالإمارات دولة ذات سيادة ولها حق إتخاذ القرار المناسب لمصلحة الدولة وشعبها، وإذا كان هناك من يعارض ذلك فهذا شأنه ولكن ليبتعد عن السباب والشتم فإنكم بذلك توغرون قلوب الشعب الإماراتي على من يتطاول على رموزنا الوطنية.
هدف الكثير من دول العالم أن ترى ما يحدث من إنقسام فينا كمسلمين وكعرب، وأن ترى خلافنا يصل إلى ما وصل إليه بل وأكثر، واقعنا العربي مرير مر العلقم، فلا تزيدوا مرارته بأفعال توغر القلوب.
أسأل الله أن يوفق بمدد من عنده كل محتاج ويستر عليه، وأسأله تعالى أن يهدي النفوس ويوحد الكلمة، فلا نصر لنا دون توحّد واتفاق.
الدكتور أحمد بن حسن الشيخ رئيس مركز دبي للتحكيم الدولي, كاتب و رجل أعمال إماراتي ناجح و متميز, المدير العام لشركة حسن بن الشيخ للصناعات التي تعمل في مجال الطباعة و النشر منذ عام 1966 و أيضا في مجال العقارات في دولة الإمارات و بدأ العمل في الشركة منذ عام 1984... ترأس مناصب عديدة في القطاع الحكومي و الخاص.
يحمل الدكتورأحمد بن حسن الشيخ دكتوراه في الاقتصاد من جامعة كوفنتري من بريطانيا ، و ماجستير في الإقتصاد من جامعة دوندي في بريطانيا ، وبكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة الإمارات العربية المتحدة.
Comments