عشائر الهونزا يعيشون منعزلون في أقصى باكستان.. مسلمون يعيشون حتى 150 عاماً وتلد نساؤهم بعمر الـ70
- بسمة الجندلي، رئيسة التحرير
- Dec 7, 2020
- 5 min read
شعب الهونزا المسلم، الذين يعيشون في شمال باكستان؛ إذ أن متوسط أعمارهم لا يقل عن الـ100 عام، وليس غريباً أن الكثير منهم يعيشون لعمر الـ150 عاماً.
شعب الهونزا الذي يعيش منعزلا في أقصى شمال باكستان، سرّه في الحياة التي أجبرته عليها الظروف الجغرافية والبساطة في الطعام مع كثرة الحركة والضحك واليوغا حتى أصبح هذا الأسلوب وصفة مجرّبة لحياة أفضل.

يعيش شعب الهونزا قرب جبال كاراكورام، في مكان يطلق عليه «وادي الخالدين»، وهم قبائل مسلمة، يبلغ عددهم قرابة الـ مئة ألف شخص. والمدهش بأمرهم أنهم لا يمرضون أو يشيبون، وعمر الـ70 عاماً يعتبر مرحلة الشباب لديهم، فالرجال والنساء بصحة ممتازة وبشرة نضرة كالأطفال تماماً، وليس غريباً أبداً أن يصل عمر الفرد منهم إلى 150 عاماً، والنساء يستطعن الحمل والولادة بأعمار الـ70 والـ80 عاماً.
يعني اسمهم “المتّحدون في جبهة واحدة كالسهام”، اسم الوادي الذي يعيشون فيه وادي هنزة الواقع على ارتفاع ألفي متر عن سطح البحر، وعلى بعد 200 كيلومتر عن إقليم “كلكت بلتستان”، أقصى شمالي باكستان بعيدا عن التكنولوجيا الحديثة، فهم شعب لا يعرف التلفزيون ولم تصله السيارات، كما لا يعرف الهواتف الذكية التي تشغل كل الناس اليوم.
ويتكوّن شعب الهونزا من خمس عشائر هي البورونغ، الديرامايتنغ، الباراتالنغ، الكوروكوش والبوروشو، لا يتجاوز تعدادها الجملي مئة ألف نسمة، يتميزون بابتسامتهم الدائمة التي لا تفارق وجوههم، وبحيويتهم ونشاطهم وقوتهم، ويتمتعون بشكل خارجي شاب وبياض بشرتهم، لدرجة أن الكثير من الناس يشعرون بالصدمة عندما يعلمون سنّهم الحقيقي.

ابتعادهم عن المدينة وضجيجها، وابتعادهم عن التكنولوجيا التي تسبب الكسل، وعيشهم بين الجبال؛ أهم أسرار شبابهم الدائم وأعمارهم الطويلة، فهم لا يأكلون سوى الخضراوات والفواكه، ويأخذون البروتين؛ عبر تناول القليل من الحليب والبيض والجبن. ولا يشربون سوى العصائر الطبيعية الطازجة لشهرين أو 3 أشهر فقط في العام، وإلى جانب ممارستهم اليوغا دائماً، هم معتادون على السير لمسافات طويلة جداً لا تقل عن 20 كيلومتراً يومياً.

حياتهم البدوية وانسجامهم مع الطبيعة والجبال، جعلتهم لا يصابون بأمراض العصر الجديدة، فهم لا يعرفون أمراض السرطان؛ كونهم يتناولون الكثير من المكسرات المجففة التي تحتوي على الـبي-17 B-17، الذي يتحول إلى مادة مضادة للسرطان بالجسم، كما أنهم لا يعرفون السكري، البدانة، ضغط الدم، عسر الهضم، أو قرحة المعدة، وغيرها من الأمراض؛ لأنهم لا يصابون بها، ولم تصلهم أيٌّ من الأوبئة القاتلة التي تنتشر في باقي أنحاء العالم، والشيء الوحيد الذي يعانون منه هو اضطرابات العين؛ بسبب الدخان الناتج عن نار الطبخ وإعداد الطعام فقط.

ما حدث بالعام 1984 في مطار لندن كان السرّ باشتهار شعب الهونزا؛ وذلك بعد أن تم توقيف شخص منهم في المطار، يدعى «عبدمبندو»، كان مكتوباً بجوازه سفره أنه من مواليد العام 1932، لكنه كان يبدو وكأنه شاب بالثلاثينات، رغم أنه حينها كان بالعقد الخامس من العمر، وبعد استجوابه؛ تحدث لهم عن شعبه، وكيف يعيشون هناك.

يتّبع شعب الهونزا في الحياة البساطة في العيش ما جعل خبراء التغذية يهتمون بدراسة نظامهم الغذائي الذي يعتمد على الخضار والفواكه، ومنتجات الماعز والأغنام التي يصنعونها بشكل تقليدي، فضلا عن منتجات جواميس القطاس البري (الياك) الشهيرة في المنطقة.
هم نباتيون تقريبا لا يأكلون اللحم إلا مرة أو مرتين في العام، وإذا أكلوه فلا يأكلون إلّا لحم الظأن.
وتشتهر منطقة وادي هنزة بإنتاج المشمش وزيته فهو جزء لا يتجزأ من نظامهم الغذائي، إضافة إلى كونهم لا يتناولون الطعام بكثرة، فلديهم وجبتان فقط في اليوم، ويصومون لمدة سبعة أيام متواصلة خلال الربيع من كل عام ولا يتناولون في تلك الفترة سوى العصائر والمياه فقط، وتؤسس صحة الطفل منذ البداية تأسيسا قويا، حينما تستمر الأم في إرضاعه طبيعيًا لمدة ثلاثة أعوام كاملة.
وصفة بسيطة تحفظ شبابهم الدائم وطول أعمارهم التي تصل أحيانا إلى 145 عاما، هي الغذاء البسيط، والحركة الدائمة إذ يمشون مسافات لا تقل عن 15 إلى 20 كيلومترا يوميا، إضافة إلى الركض والضحك، وهم أيضا يستحمّون بالماء البارد حتى في أكثر أوقات السنة برودة، ويمارسون رياضة اليوغا، بجانب إدراكهم لأهمية ممارسة التأمل وفوائده على العقل والجسد والروح.

كتب عنهم الطبيب الإنجليزي روبرت مكاريسون في جريدة الجمعية الفلكية للفنون، “شعوب الهونزا لديهم قدرة على التحمل غير عادية أو معتادة لدى البشر، فالرجل لديهم يمكنه السير في نهر جليدي عاريا في فصل الشتاء دون أن يتضرر جسده أو يشعر بالضعف.”
وتحدث في محاضراته باعتبارهم من الشعوب التي يجب على العالم اتباع عاداتها الغذائية من أجل صحة أفضل، وعمر أطول، ونصح منذ عام 1921 باتباع تجربتهم التي قدمها في محاضرة بعنوان “التغذية الخاطئة ومخاطرها على الاضطرابات المعوية.”
شعب يهزم الأمراض
يتّبع شعب الهونزا أساليب بسيطة وبدائية في غذائهم وممارسة حياتهم اليومية، ما ساعدهم على رعاية صحتهم رعاية فائقة، بحسب الأطباء الذين انعكفوا على دراسة نمط غذاء هذا الشعب. فلم لا يعرف شعب الهونزا أيّا من أمراض العصر مثل السرطان الذي لم يُعرف له بعد دواء فعال ورخيص؟ هم لا يعرفونه لأنهم يتناولون الكثير من المكسرات مثل الجوز واللوز والبندق، ويصنعون الزيوت المُستخلصة منها. وعلميا تحتوي المكسرات المجففة على مركب “بي-17” الذي يتحول إلى مادة مضادة للسرطان داخل الجسم.
لا يتناولون الطعام الدسم لذلك هم لا يصابون بالسكري، والبدانة، وأمراض ضغط الدم، وعسر الهضم. لا يعرفون أمراضا تخلفها كثرة الأكل وعدم انتظامه مثل قرحة المعدة والتهاب الزائدة الدودية، أو التهاب القولون المخاطي، ولم تصل إليهم أي من الأوبئة التي انتشرت في العالم حديثا أو قديما.

- يعني اسم شعب الهونزا «المتحدون في جبهة واحدة كالسهام».
- تتحدث قبائل الهونزا لغة البروشسكي.
- هناك اعتقاد أنهم من نسل جيش «اليكجينت دار» أحد جيوش الإسكندر الأكبر، الذين ضلوا طريقهم في القرن الرابع في أحد جبال الهيمالايا الضيقة.

هم عادة ما يعانون فقط من أمراض تتعلق بالعين، لما يتعرضون له من دخان كثير من النار المستخدمة في طهي الطعام أو التدفئة، لأنهم لا يملكون وسائل الحياة الحديثة.
هذه الأمراض لا تصيب شعب الهونزا بحسب نتائج دراسة توصل إليها ماكريسون من النظام الغذائي الذي قد يمنح العالم الشفاء من الأمراض القاتلة التي تجتاحه، وقد أنجز هذا البحث عن طريق تواجده لفترة طويلة بين تلك العشائر وعايشها عن قرب.
واكتشف الطبيب الإنجليزي أن الخضروات وحبات المشمش المُجففة والمكسرات التي ثبت علميا احتواؤها على مركب “بي- 17” الذي يتحول إلى مادة مضادة للسرطان داخل الجسم، إضافة إلى الألبان والأجبان مصدرهم الأساسي للبروتين هي سر أسرار سلامة الجسم والوقاية من الأمراض، فهم لا يتناولون اللحوم ولا الملح أو السكر ولا الخبز ولا تصل إليهم أي وجبات معلبة، أو حلوى مثل الشوكولاته.
وقال طبيب ألماني إن شعب الهونزا لا يعرف “حالات الصفراء أو حصى الكلى، أمراض القلب التاجية، الآفات الوعائية، التخلف العقلي، شلل الأطفال، التهاب المفاصل”، كما أشار إلى أنه لم يلتق يوما بأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة في قرى الهونزا التي زارها.

يعيش سكان وادي هنزة حياة بسيطة وعزلة شبه تامة بسبب المناطق الجبلية الوعرة المحيطة بهم وظروف فصل الشتاء القاسية، بعيدًا عن بقية المدن المأهولة والأجندة السياسية الصاخبة لباكستان.
هذه العزلة حرمتهم من بعض الخدمات، لكنها في المقابل ساهمت في استفادتهم، كما أن غياب التكنولوجيا الحديثة جعل من المجهود البدني الشاق أمرا ضروريا لاستمرارية الحياة في وادي الخلود، ولذلك ليس هناك مجال للكسل الذي يعتبر من أكثر المخاطر التي تهدد صحة القلب.
كتب الباكستاني سوجيش غوبالاكريشنان، في مقالة معنونة بـ“شعوب هونزا وحياتهم الاستثنائية”، أن سكان وادي هنزة سجلوا فعليًا معدلات حياة طويلة وصلت إلى 145 عاما.
وأضاف الكاتب أن سكان الوادي يعيشون في معزل عن التطورات التي يشهدها العالم، ويتغذّون على الأطعمة الطبيعية التي ساهمت إطالة أعمارهم المديدة.
وأشار غوبالاكريشنان، أن العمر الطويل الذي يتمتع به سكان هنزة، دفع سكان المناطق المجاورة لنسج الأساطير عن سكان الوادي. وفي رواية “الأفق المفقود” للكاتب الإنجليزي “جيمس هيلتون” (سنة 1933)، تحدث عن سفر أربعة أشخاص إنجليز إلى منطقة خيالية تدعى “شانغري لا”، في جبال الهيمالايا، حيث يعيش السكان فترات عمرية طويلة، ويتعالجون بواسطة مياه تمتلك خصائص سحرية.

وبثت محطة “تي.آر.تي” الوثائقية فيلما بعنوان “الصور الظلية المفقودة في الشرق”، حيث تحدث الفيلم عن سكان وادي هنزة وعمرهم الطويل.
وأشار إلى أن سكان وادي هنزة يواصلون العمل بالزراعة وتربية الحيوانات رغم التقدم في السن، بينما يلعب الجميع شبابا وفتيات رياضة الهوكي خلال أوقات الفراغ في البحيرات المتجمدة.
ورغم أن شعب الهونزا يعيش بعيدا في وادِِ بعيد عن الحضارة المعاصرة، إلا أنه تمكن من أن يكون أكثر تحضّرا وثقافًة من الدول المجاورة، إلى جانب انخفاض معدل الجريمة في هذا الوادي وانتشار التسامح والتراضي بين أفراد الهونزا، بحسب بعض المراقبين المهتمّين بثقافات الشعوب.
شعب الهونزا يؤمن بالتساوي بين الجنسين فعلاً فترى النساء يعملن في النجارة والبناء والتعليم مثلهن مثل الرجال.
وتبلغ في وادي الخلود معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة 77 في المئة، ولديهم مدرسة باسم “آغا خان الثانوية” للبنات، تمكنت من تعليم 90 في المئة من النساء.
وأغلب أفراد شعب الهونزا تحت عمر الثلاثين يستطيعون القراءة والكتابة ويتمتعون بثقافة ويتقنون ثلاث لغات محلية مختلفة ويجيدون اللغة الإنكليزية أيضا، كما يؤمن كل الشعب بالتنوع والانفتاح على الأخرين، حيث أصبح يسقبل السياح في الشتاء والصيف.
Comments